أسطورة المدينة التي تبتلع أهلها – إيريام الخفية

أسطورة المدينة التي تبتلع أهلها – إيريام الخفية

أسطورة المدينة التي تبتلع أهلها – إيريام الخفية

في قلب صحراء الربع الخالي، حيث تهمس الرياح بأسرار لم تُكشف، وتغيب الشمس خلف كثبان رملية لا نهاية لها، تُروى أسطورة عن مدينة ضائعة تُدعى إيريام. مدينة لا تظهر على الخرائط، ولا يعرف الطريق إليها أحد، إلا من اختارهم القدر… أو لعنهم.

منذ قرون، تناقل البدو الرحّل والأدلة والرحالة قصصًا غريبة عن ظهور مفاجئ لمدينة مذهلة وسط الرمال، مدينة من ذهب وأبراج متلألئة، تلمع تحت أشعة القمر، وتختفي مع شروق الشمس. لكن الغريب في الأمر أن من رأوها لم يعودوا قط، وكأن المدينة التهمتهم، أو كما يصفها بعضهم: "المدينة التي تبتلع أهلها".

أسطورة أم حقيقة منسية؟

لطالما شكك الباحثون والمؤرخون في حقيقة إيريام، معتبرينها إحدى خرافات الصحراء التي تُستخدم لتخويف الأطفال أو تمضية السهرات حول النار. لكن عندما ننظر إلى التفاصيل التي تتكرر في شهادات مختلفة، من عصور وثقافات متباينة، نبدأ بالتساؤل: هل من الممكن أن تكون هناك نواة من الحقيقة داخل هذا الكم من الغموض؟

في مخطوطات نادرة محفوظة في مكتبات الأندلس، نجد إشارات إلى "مدينة تضيء دون مصدر نور"، تحيط بها رياح لا تتوقف، ويسكنها قوم لا يشبهون البشر. يصفها بعض الرحالة بأنها "باب مفتوح على عالم آخر"، فيما يعتبرها آخرون لعنة قديمة حلت بمنطقة الربع الخالي، عاقبة لخطايا مجهولة.

الرحّالة الذين اختفوا بلا أثر

عام 1932، انطلق المستكشف الإنجليزي الشهير "برترام توماس" في رحلة استكشافية إلى أعماق الربع الخالي، بعد أن سمع قصصًا من البدو عن مدينة الأساطير. ولم يكن وحده، بل رافقه فريق صغير مزود بأجهزة متقدمة بالنسبة لعصره. وبعد أسابيع من الانطلاق، تلقى مقر البعثة في لندن رسالة مشفّرة قصيرة:

"وجدناها… المدينة التي لا يجب أن تكون. السماء فوقها ليست كالسماء، ونحن لسنا وحدنا هنا."

ثم… لا شيء. لا إشارات، لا رسائل، لا ناجين.

عندما أُرسلت فرق الإنقاذ، لم يجدوا سوى آثار أقدام تتجه نحو أعماق الرمال… ولا تعود. وكأن الأرض ابتلعتهم، أو أن المدينة أغلقت أبوابها عليهم إلى الأبد.

الأدلة الغامضة على وجود إيريام

1. مخطوطات ابن بطوطة

في رحلته الشهيرة، ذكر ابن بطوطة مدينة تظهر ليلاً وتختفي نهارًا، تحرسها كيانات من الظلّ، وتتبدى فقط للغرباء. وعلى الرغم من أن موقعها لم يُحدد بدقة، إلا أن وصفه يتطابق إلى حد كبير مع ما يُحكى عن إيريام.

2. صور الأقمار الصناعية (1998)

التقطت أقمار صناعية تابعة لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) صورًا لتشكيلات هندسية غامضة وسط صحراء الربع الخالي، تشبه ما يمكن أن يكون بقايا معمارية. التكوينات كانت مرتبة بشكل منظم، يتنافى مع الفوضى الطبيعية للرمال. بعض الباحثين اعتبرها أدلة على مدينة مدفونة، ربما هي إيريام.

3. الأساطير البدوية

في روايات متواترة، يذكر كبار السن من البدو أنهم سمعوا أصواتًا غريبة في الليل، قادمة من أعماق الصحراء، كأن أحدًا يناديهم بألسنة لا تُفهم. وحين يختفي أحد أفراد القبيلة، يقولون: "رآها… ولن يعود."

كيان حي… أم حضارة متقدمة؟

ليست كل النظريات تشير إلى أن إيريام مجرد مدينة، بل يذهب بعض المتصوفة والباحثين الغامضين إلى القول إنها كيان واعٍ، يعيش ويتنفس، يُغري من يقترب منه، ويبتلعهم لسبب غير معروف. البعض يظن أنها بوابة تربط بين أبعاد أو عوالم متوازية، حيث الزمان والمكان يختلطان.

البعض الآخر يربطها بحضارات قديمة اندثرت مثل الأطلنطس أو مو، ويعتقد أن سكانها بلغوا مستوى تكنولوجيًّا ومعرفيًّا مكّنهم من إخفاء مدينتهم عن الأنظار، إلا لمن "تسمح لهم المدينة بالرؤية".

إيريام في الوثائق السرية

أشارت تسريبات من وثائق استخباراتية بريطانية وأمريكية إلى اهتمام غير معلن بمنطقة الربع الخالي منذ الخمسينيات، خاصة بعد تقارير عن ظهور ضوء غريب في الرمال، وتحليق أجسام طائرة مجهولة الهوية فوقها. وفي وثيقة مسرّبة نُسبت إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، ورد ذكر كود "IRIAM-GATE"، دون تفاصيل، لكنه أُرفق مع خريطة لصحراء الربع الخالي.

القصص المجهولة للشهود

روى أحد المسافرين المغامرين في مدونة شخصية أنه خلال رحلته بالدراجات إلى جنوب الجزيرة العربية، شعر فجأة بتغير في ضغط الهواء، ثم شاهد من بعيد لمعانًا غريبًا بين الكثبان. وعندما حاول الاقتراب، شعر بالدوار، وكأن شيئًا ما يدفعه إلى الخلف. وبعد دقائق من استعادة وعيه، اختفى كل شيء.

قال: "لم أكن أحلم. أعرف أنني رأيت شيئًا… شيئًا لا ينتمي إلى هذا العالم."

صوت المدينة

الغريب أن بعض التسجيلات الصوتية التي جُمعت من أجهزة مراقبة الزلازل قرب مناطق الربع الخالي، التقطت ذبذبات صوتية غير مفهومة، أشبه بما وصفه الخبراء بـ"صوت تنفّس عميق". لم تُربط مباشرة بإيريام، لكن تزامنها مع اختفاء قافلة صغيرة عام 2003 أعاد الشكوك.

اللعنة الكبرى

وفقًا لتقاليد قبائل معينة، يُعتقد أن من يرى إيريام يُصبح مُراقبًا للأبد، حتى إن لم يدخلها. يبدؤون برؤية أحلام متكررة عن مدينة تغرق في الرمال، يسمعون أصواتًا في الليل، ويشعرون بأنهم يُنادون للعودة.

وهنا تبدأ اللعنة… لأن من يعود لا يراه أحد بعدها.

لماذا لم تُكشف حتى الآن؟

هناك فرضيات كثيرة تحاول تفسير لماذا لم يتم العثور على المدينة رغم تقدم التكنولوجيا:

التمويه التكنولوجي: ربما يستخدم سكان إيريام تقنيات لإخفاء المدينة.
البُعد الآخر: المدينة ليست في هذا العالم المادي، بل على حافة عالم آخر.

اللعنة: كل من يقترب منها يُصاب بنوع من الهلوسة أو يُبتلع في دوامة لا يمكن الهروب منها.

كلمات محفورة في الرمال

في عام 2011، عثر فريق من علماء الآثار في صحراء عُمان على حجر منحوت عليه كتابة قديمة جدًا، بلغة لم تُعرف حتى الآن. لكن الترجمة التقريبية لنقوشه كانت:

"من رأى البوابة… لا يعود. من دخل، لن يُنسى، بل يُصبح جزءًا من الحكاية التي لا تنتهي."

هل يمكن أن تراها أنت؟

هل لديك الجرأة لتدخل الربع الخالي وحدك؟ هل تسمع أحيانًا صوتًا بعيدًا يناديك باسمك في الليل؟ إن حدث، فتذكّر… قد تكون إيريام تبحث عنك.

وإذا وجدت نفسك في يومٍ من الأيام تلمح مدينة تتلألأ في الأفق، بين الرمال الصامتة… لا تقترب.

لا تناديها.

ولا تجب النداء.

لأن إيريام لا تحب الزوار… ومن يراها، يصبح جزءًا منها للأبد.

لكن السؤال الذي يرفض أن يموت:

هل لا تزال هناك… تنتظر؟

تعليقات